حوارات
كاتب الدولة لشؤون المحاربين القدامى ـ جان ماري بوكيل لـ''الخبر''
مستعدون للتباحث مع الجزائر حول مصير أبناء الحركى
حضرة الوزير، فيما يخص التعديلات الحكومية الأخيرة التي تم تبنيها حديثاً والتي رفعت بمقتضاها منحة التقاعد للمحاربين بقدر نقطتين، ما هي انعكاسات هذه الزيادة على المحاربين الجزائريين؟
على غرار سائر التدابير الجديدة الناجعة المقرر إدخالها على صعيد المعاشات العسكرية، إن هذه الزيادة تنطبق حكماً على المحاربين القدامى الجزائريين. وبغضّ النظر عن تطابق قيمة المعاشات المدفوعة، التي باتت الآن هي نفسها في فرنسا وفي الجزائر فيما يخص رفع منحة التقاعد للمحاربين ومعاشات العجز عن العمل العسكرية، إن هذه الزيادة ناتجة عما يعرف بإجراءات عملية ''إعادة التقييم'' التي أقرت بداية عام .2007 وبمقدوري أن أوضح لكم أيضاً بأنه وفقاً لما التزم به رئيس الجمهورية، سيعاد تقييم منح التقاعد للمحاربين مجدداً خلال السنوات القادمة. وهذه التدابير الجديدة سوف تطبّق هي أيضاً بشكل آلي ومباشر على المحاربين القدامى الجزائريين.
فيما يتعلق بتعويضات ضحايا الحروب الاستعمارية، ما هي نظرتكم إلى هذه المسألة؟
لا يفوتكم أن أي حرب، وأياً كانت الظروف التي تدور فيها، لا بد وأن تخلّف ضحايا من الجانبين. وحرب الجزائر لا تشذ عن هذه القاعدة. سوف أجيب دون مواربة على سؤالكم الذي، على ما أظن، يتعلق تحديداً بضحايا هذه الحرب الجزائريين.
أود قبل كل شيء أن أحيي ذكرى جميع ضحايا هذا النزاع، هؤلاء الذين قضوا وهم يؤدون واجبهم كجنود، كما الذين دفعوا حياتهم ثمناً لإيمانهم بقضيتهم الوطنية الجزائرية، إضافة إلى الذين وقعوا ضحية الظروف، فكانوا في المكان غير المناسب في وقت غير مناسب، فدخلوا دوامة التاريخ التي تأبى إلا أن تكون مأساوية أحياناً.
وعليه، وكما سبق لي وأن أشرت، تتكرر مشكلة تعويض الضحايا، في نهاية كل صراع.
فيما يخص الجزائر وفرنسا، ورغم أن المؤرخين هم في موقع أفضل مني لإعطاء الجواب، فالمسألة ليست مطروحة تحديداً في العبارات التي تستخدمونها.
إن الاتفاقات التي وقّعت بإيفيان في 19 مارس ,1962 كانت قد نصت بأن كل دولة من الدولتين تأخذ على عاتقها مسؤولية تعويض رعاياها، وبصفة أعم، الأشخاص المقيمين على أراضيها، وذلك من خلال نظام المساعدات الاجتماعية القائم لديها، وبالأخص في مجال العجز عن العمل.
إن فرنسا قد أقرّت بالفعل آلية محددة لمساعدة ومساندة ضحايا الحرب الفرنسيين. وأعلم أيضاً بأن الدولة الجزائرية قد قامت بالمثل من خلال مؤسسات وزارية متخصصة، وأنها تواصل اليوم توفير التعويضات لمحاربيها وللضحايا المدنيين لديها. وأضيف بأن الرئيس ساركوزي قد اقترح، مؤخراً، بأن يتم معالجة ضحايا الألغام المزروعة في الجزائر بفرنسا، أياً كانت الجهة التي زرعت هذه الألغام، على الأقل بالنسبة للحالات المعقدة وعندما يبدو علاجها محلياً غير كافٍ.
ما هو وضع عسكريي حرب الجزائر القدامى، بعد أن تم الاعتراف بحرب الجزائر؟
إن الإقرار بحالة الحرب في الجزائر يعود لدينا إلى ما يقارب 10 أعوام، لأن القانون الفرنسي في هذا المجال قد صدر عام .1999
إن هذا القانون كان له نتائج ملموسة ومحصورة بالنسبة لجنودنا القدامى، فمنذ عام 1974 تم فتح المجال أمام حق استصدار بطاقة المحارب، عملاً بما تقتضيه شروط الحق العام، لمن شاركوا في هذا النزاع.
ولكن أعتقد بأن هذا الإقرار الرسمي بحالة الحرب التي كانت قائمة في وقت معين بين بلدينا، يحمل معناً رمزياً وهذا لا يعني بأنه غير ذي أهمية، بل على العكس: الإقرار بأن الحقبة الواقعة بين 1954 و1962 هي ''حرب الجزائر''، هو إقرار بالبسالة العسكرية للمحاربين من أجل الاستقلال، بشجاعتهم وبتضحياتهم، مثلهم مثل الجنود الفرنسيين الذين وقعوا هنا على هذه الأرض التي أغلبهم يكتشفها للمرة الأولى. ومن ثم، إنه إقرار واضح وصريح بأن هذا النزاع قد تصادمت فيه أمتان قائمتان على درجة من التساوي، منذ ذلك الحين، ألا وهما الجزائر وفرنسا.
إن عائلات الحركى لديهم وضع خاص منوط بمسؤولية الدولة الفرنسية، فكيف تنظرون إلى هذا الأمر؟
هناك أكثر من ستين ألف جزائري قد شاركوا بالفعل في هذا النوع المحدد من الالتحاق في معارك تلك الحقبة، إلى جانب الجيش الفرنسي. أود فقط أن أذكر بأنه في تلك الحقبة لم يكن من البديهي وضع حد فاصل بين ما هو جيد أو سيئ، مثلما هي الحال عليه اليوم. وفيما هو أبعد من التاريخ، هناك دائماً رجال بقناعاتهم والتزاماتهم وأخطائهم أحياناً، هذا لو سلمنا بأن هؤلاء الرجال كان لهم حرية الاختيار في تلك المرحلة.
وهذا هو السبب الذي دفع بالبرلمان الفرنسي إلى تبني عدد من التدابير القانونية التي تنص، فيما يخصهم وأسرهم، على وضع عدد من الآليات للتعويض والاندماج المهني أيضاً. إنه الغرض من خطة ''وظائف للحركى'' التي وضعتها الحكومة اليوم موضع التنفيذ.
هل لديكم تصور مشترك خاص بالجيل الثالث لأبناء الحركى وتحديداً فيما يتعلق بمسألة حرية تنقل الأفراد؟
في ما يخص جميع هذه المسائل المتعلقة بحرية تنقل الأفراد، إن زميلي السيد إيريك بسون يود القدوم إلى الجزائر سريعاً من أجل التباحث في الأمر مع السلطات الجزائرية.
ما هي قراءتكم لمطالب الجزائريين المتعلقة باعتراف فرنسا بجرائمها الاستعمارية؟
إن الرئيس ساركوزي قد بادر إلى اتخاذ هذا المسلك للإقرار بجرائم الاستعمار. وهناك خطوات في هذا الاتجاه قد تمت في الجزائر عام .2005 وعند زيارته لمدينة قسنطينة في ديسمبر ,2007 أدان رئيس الدولة جرائم الاستعمار واعترف بالإجحاف الذي ألحقه النظام الاستعماري بالشعب الجزائري. وأضيف بأن هذا الخطاب، تم تداوله هو نفسه في فرنسا كما في الجزائر من طرف ممثلي الدولة الفرنسية، دون مواربة. فأمام تاريخ مأساوي، رثت فيه عائلات فرنسية، هي أيضاً، عددا من الضحايا لخمسين عاما خلت، تقوم الدولة جاهدة في تحمّل مسؤولياتها.
ومن المستحسن أيضاً ألا يجري الخلط بين الكلام الرسمي وبين كلام آخر قد يقال هنا وهناك من قبل جماعات قد تسعى للدفاع عن ذكرى معينة خاصة بها، وإن كان ذلك حق لها طالما أنها لا تخل بالنظام العام.
وعليه أنوّه بأنه لا توجد محاولات قطعاً من جانب فرنسا لإعادة الاعتبار للنظام الاستعماري. ولكن دعونا نقر بأن تاريخنا المشترك يبقى معقداً، وبالتالي فهو بالطبع ليس أحادي المعنى. لندع المؤرخين يقومون بعملهم، ولتحجم الدول عن التدخل في كتابة التاريخ الذي يجب أن يبقى طليقاً وموضوعياً. ومن حسن الحظ أن الكثير قد أنجز في هذا المجال، فالنقاشات كثيفة والمجتمع الفرنسي في معظمه لا يجهل ما حدث منذ خمسين أو ستين عاما في الجزائر، وحرب الجزائر تدرس بكل جدية في مدارسنا وثانوياتنا، وباستطاعة المؤرخين أن يشهدوا بذلك.
وأضيف بأننا لا نسعى أبداً إلى إخفاء وقائع تلك الحقبة، فالأرشيف لدينا مفتوح على مصراعيه ومتوفر للمؤرخين، فرنسيين وجزائريين، من بين الذين يقومون بأبحاث جدية ومعمّقة حول تلك المرحلة. وبفضل تقصير مهَل فتح الأرشيف، وحتى السري منه، سيتسنى بعد أربعة أعوام من الآن الاطلاع على وثائق حرب الجزائر بشكل شبه كلي. فلقد تم للتو توقيع اتفاقية تعاون مع الأرشيف الوطني الجزائري، من شأنها أن تعزز النفاذ إلى الوثائق، وسوف تتبعها اتفاقيات أخرى. وكلنا أمل بأن تتاح للمؤرخين الإمكانيات ذاتها للاطلاع على العديد من مواد الأرشيف الموجودة على أرض الجزائر. ومما لا شك فيه، أن باستطاعتنا أن نسير قدماً، من جهة كما من الأخرى، نحو تصور للتاريخ فيه المزيد من التوافق والتهدئة، وهذا يتطلّب أن نخطو بعض الخطوات من كلتا الجهتين.
وفي فرنسا نحاول جاهدين فهم حساسية مسائل الذكرى في الجزائر. إننا نحترم الأسى الذي يسببه استذكار الموتى في العائلات، من جانبي المتوسط، ونحترم مشروعية المعركة التي قادها الجزائريون.
وإلى جانب هذا الإقرار، هناك أيضاً ملفات متصلة بماضينا المشترك ننكبّ على معالجتها، حتى بمبادرة من الجهة الفرنسية نفسها، وسنظل نصغي لما تقوله لنا الجزائر في هذه المسائل.
ولكن دعونا ننظر أيضاً نحو المستقبل. لأنه، حسب اعتقادي، هذه رغبة الشباب في كل من بلدينا، شباب يتوق إلى مزيد من الانفتاح والتبادل بعيداً عن الضغينة. لنحاول خدمة مشاريع المستقبل، والنظر سوياً إلى ما يستحسن فعله من أجل تحسين تعاوننا، ومن أجل أن تضحى علاقاتنا كدول مجاورة علاقات بنّاءة بأكبر قدر ممكن، فننأى عن زرع الحقد، وذلك دون أن ننسى الماضي.
هذه، في نظري، أفضل وسيلة لطي صفحة الماضي. فلنسع عملياً إلى تجسيد الصداقة العميقة القائمة بين شعبينا.
لماذا اتخذتم ذلك القرار الذي يقضي بنقل التاريخ الرسمي لليوم الوطني لتكريم من ماتوا في سبيل فرنسا، في شمال إفريقيا، ليصبح موعده في 19 مارس؟
إن اليوم الرسمي لإحياء ذكرى الذين ماتوا في سبيل فرنسا إبان حرب الجزائر محدد في 5 ديسمبر ولا يزال. إنه تاريخ افتتاح النصب التذكاري المقام تكريماً ''لمن ماتوا في سبيل فرنسا في الجزائر''.
إن هذا التاريخ هو بالتالي يوم التكريم الرسمي لهم من قبل الأمة، والذي يحتفل به سنوياً في كل إقليم من أقاليم فرنسا، كما في مقاطعات ما وراء البحار.
ومن ناحية أخرى، تتمتع جمعيات المحاربين القدامى بحرية المبادرة في تنظيم احتفالات عامة يتوافق موعدها مع الذكرى السنوية لأحداث معينة، تعتبرها جديرة بأن يحتفى بها.
ومن بين هذه المواعيد هناك الذكرى السنوية لوقف إطلاق النار في الجزائر، يوم 19 مارس، وقد طلبت من الوالي، في كل إقليم، أن يشارك في إحياء هذه الاحتفالات الخاصة بالجمعيات وفقاً لما تقتضيه الظروف المحلية، وحسب تقديره.
كاتب الدولة لشؤون المحاربين القدامى ـ جان ماري بوكيل لـ''الخبر''
مستعدون للتباحث مع الجزائر حول مصير أبناء الحركى
حضرة الوزير، فيما يخص التعديلات الحكومية الأخيرة التي تم تبنيها حديثاً والتي رفعت بمقتضاها منحة التقاعد للمحاربين بقدر نقطتين، ما هي انعكاسات هذه الزيادة على المحاربين الجزائريين؟
على غرار سائر التدابير الجديدة الناجعة المقرر إدخالها على صعيد المعاشات العسكرية، إن هذه الزيادة تنطبق حكماً على المحاربين القدامى الجزائريين. وبغضّ النظر عن تطابق قيمة المعاشات المدفوعة، التي باتت الآن هي نفسها في فرنسا وفي الجزائر فيما يخص رفع منحة التقاعد للمحاربين ومعاشات العجز عن العمل العسكرية، إن هذه الزيادة ناتجة عما يعرف بإجراءات عملية ''إعادة التقييم'' التي أقرت بداية عام .2007 وبمقدوري أن أوضح لكم أيضاً بأنه وفقاً لما التزم به رئيس الجمهورية، سيعاد تقييم منح التقاعد للمحاربين مجدداً خلال السنوات القادمة. وهذه التدابير الجديدة سوف تطبّق هي أيضاً بشكل آلي ومباشر على المحاربين القدامى الجزائريين.
فيما يتعلق بتعويضات ضحايا الحروب الاستعمارية، ما هي نظرتكم إلى هذه المسألة؟
لا يفوتكم أن أي حرب، وأياً كانت الظروف التي تدور فيها، لا بد وأن تخلّف ضحايا من الجانبين. وحرب الجزائر لا تشذ عن هذه القاعدة. سوف أجيب دون مواربة على سؤالكم الذي، على ما أظن، يتعلق تحديداً بضحايا هذه الحرب الجزائريين.
أود قبل كل شيء أن أحيي ذكرى جميع ضحايا هذا النزاع، هؤلاء الذين قضوا وهم يؤدون واجبهم كجنود، كما الذين دفعوا حياتهم ثمناً لإيمانهم بقضيتهم الوطنية الجزائرية، إضافة إلى الذين وقعوا ضحية الظروف، فكانوا في المكان غير المناسب في وقت غير مناسب، فدخلوا دوامة التاريخ التي تأبى إلا أن تكون مأساوية أحياناً.
وعليه، وكما سبق لي وأن أشرت، تتكرر مشكلة تعويض الضحايا، في نهاية كل صراع.
فيما يخص الجزائر وفرنسا، ورغم أن المؤرخين هم في موقع أفضل مني لإعطاء الجواب، فالمسألة ليست مطروحة تحديداً في العبارات التي تستخدمونها.
إن الاتفاقات التي وقّعت بإيفيان في 19 مارس ,1962 كانت قد نصت بأن كل دولة من الدولتين تأخذ على عاتقها مسؤولية تعويض رعاياها، وبصفة أعم، الأشخاص المقيمين على أراضيها، وذلك من خلال نظام المساعدات الاجتماعية القائم لديها، وبالأخص في مجال العجز عن العمل.
إن فرنسا قد أقرّت بالفعل آلية محددة لمساعدة ومساندة ضحايا الحرب الفرنسيين. وأعلم أيضاً بأن الدولة الجزائرية قد قامت بالمثل من خلال مؤسسات وزارية متخصصة، وأنها تواصل اليوم توفير التعويضات لمحاربيها وللضحايا المدنيين لديها. وأضيف بأن الرئيس ساركوزي قد اقترح، مؤخراً، بأن يتم معالجة ضحايا الألغام المزروعة في الجزائر بفرنسا، أياً كانت الجهة التي زرعت هذه الألغام، على الأقل بالنسبة للحالات المعقدة وعندما يبدو علاجها محلياً غير كافٍ.
ما هو وضع عسكريي حرب الجزائر القدامى، بعد أن تم الاعتراف بحرب الجزائر؟
إن الإقرار بحالة الحرب في الجزائر يعود لدينا إلى ما يقارب 10 أعوام، لأن القانون الفرنسي في هذا المجال قد صدر عام .1999
إن هذا القانون كان له نتائج ملموسة ومحصورة بالنسبة لجنودنا القدامى، فمنذ عام 1974 تم فتح المجال أمام حق استصدار بطاقة المحارب، عملاً بما تقتضيه شروط الحق العام، لمن شاركوا في هذا النزاع.
ولكن أعتقد بأن هذا الإقرار الرسمي بحالة الحرب التي كانت قائمة في وقت معين بين بلدينا، يحمل معناً رمزياً وهذا لا يعني بأنه غير ذي أهمية، بل على العكس: الإقرار بأن الحقبة الواقعة بين 1954 و1962 هي ''حرب الجزائر''، هو إقرار بالبسالة العسكرية للمحاربين من أجل الاستقلال، بشجاعتهم وبتضحياتهم، مثلهم مثل الجنود الفرنسيين الذين وقعوا هنا على هذه الأرض التي أغلبهم يكتشفها للمرة الأولى. ومن ثم، إنه إقرار واضح وصريح بأن هذا النزاع قد تصادمت فيه أمتان قائمتان على درجة من التساوي، منذ ذلك الحين، ألا وهما الجزائر وفرنسا.
إن عائلات الحركى لديهم وضع خاص منوط بمسؤولية الدولة الفرنسية، فكيف تنظرون إلى هذا الأمر؟
هناك أكثر من ستين ألف جزائري قد شاركوا بالفعل في هذا النوع المحدد من الالتحاق في معارك تلك الحقبة، إلى جانب الجيش الفرنسي. أود فقط أن أذكر بأنه في تلك الحقبة لم يكن من البديهي وضع حد فاصل بين ما هو جيد أو سيئ، مثلما هي الحال عليه اليوم. وفيما هو أبعد من التاريخ، هناك دائماً رجال بقناعاتهم والتزاماتهم وأخطائهم أحياناً، هذا لو سلمنا بأن هؤلاء الرجال كان لهم حرية الاختيار في تلك المرحلة.
وهذا هو السبب الذي دفع بالبرلمان الفرنسي إلى تبني عدد من التدابير القانونية التي تنص، فيما يخصهم وأسرهم، على وضع عدد من الآليات للتعويض والاندماج المهني أيضاً. إنه الغرض من خطة ''وظائف للحركى'' التي وضعتها الحكومة اليوم موضع التنفيذ.
هل لديكم تصور مشترك خاص بالجيل الثالث لأبناء الحركى وتحديداً فيما يتعلق بمسألة حرية تنقل الأفراد؟
في ما يخص جميع هذه المسائل المتعلقة بحرية تنقل الأفراد، إن زميلي السيد إيريك بسون يود القدوم إلى الجزائر سريعاً من أجل التباحث في الأمر مع السلطات الجزائرية.
ما هي قراءتكم لمطالب الجزائريين المتعلقة باعتراف فرنسا بجرائمها الاستعمارية؟
إن الرئيس ساركوزي قد بادر إلى اتخاذ هذا المسلك للإقرار بجرائم الاستعمار. وهناك خطوات في هذا الاتجاه قد تمت في الجزائر عام .2005 وعند زيارته لمدينة قسنطينة في ديسمبر ,2007 أدان رئيس الدولة جرائم الاستعمار واعترف بالإجحاف الذي ألحقه النظام الاستعماري بالشعب الجزائري. وأضيف بأن هذا الخطاب، تم تداوله هو نفسه في فرنسا كما في الجزائر من طرف ممثلي الدولة الفرنسية، دون مواربة. فأمام تاريخ مأساوي، رثت فيه عائلات فرنسية، هي أيضاً، عددا من الضحايا لخمسين عاما خلت، تقوم الدولة جاهدة في تحمّل مسؤولياتها.
ومن المستحسن أيضاً ألا يجري الخلط بين الكلام الرسمي وبين كلام آخر قد يقال هنا وهناك من قبل جماعات قد تسعى للدفاع عن ذكرى معينة خاصة بها، وإن كان ذلك حق لها طالما أنها لا تخل بالنظام العام.
وعليه أنوّه بأنه لا توجد محاولات قطعاً من جانب فرنسا لإعادة الاعتبار للنظام الاستعماري. ولكن دعونا نقر بأن تاريخنا المشترك يبقى معقداً، وبالتالي فهو بالطبع ليس أحادي المعنى. لندع المؤرخين يقومون بعملهم، ولتحجم الدول عن التدخل في كتابة التاريخ الذي يجب أن يبقى طليقاً وموضوعياً. ومن حسن الحظ أن الكثير قد أنجز في هذا المجال، فالنقاشات كثيفة والمجتمع الفرنسي في معظمه لا يجهل ما حدث منذ خمسين أو ستين عاما في الجزائر، وحرب الجزائر تدرس بكل جدية في مدارسنا وثانوياتنا، وباستطاعة المؤرخين أن يشهدوا بذلك.
وأضيف بأننا لا نسعى أبداً إلى إخفاء وقائع تلك الحقبة، فالأرشيف لدينا مفتوح على مصراعيه ومتوفر للمؤرخين، فرنسيين وجزائريين، من بين الذين يقومون بأبحاث جدية ومعمّقة حول تلك المرحلة. وبفضل تقصير مهَل فتح الأرشيف، وحتى السري منه، سيتسنى بعد أربعة أعوام من الآن الاطلاع على وثائق حرب الجزائر بشكل شبه كلي. فلقد تم للتو توقيع اتفاقية تعاون مع الأرشيف الوطني الجزائري، من شأنها أن تعزز النفاذ إلى الوثائق، وسوف تتبعها اتفاقيات أخرى. وكلنا أمل بأن تتاح للمؤرخين الإمكانيات ذاتها للاطلاع على العديد من مواد الأرشيف الموجودة على أرض الجزائر. ومما لا شك فيه، أن باستطاعتنا أن نسير قدماً، من جهة كما من الأخرى، نحو تصور للتاريخ فيه المزيد من التوافق والتهدئة، وهذا يتطلّب أن نخطو بعض الخطوات من كلتا الجهتين.
وفي فرنسا نحاول جاهدين فهم حساسية مسائل الذكرى في الجزائر. إننا نحترم الأسى الذي يسببه استذكار الموتى في العائلات، من جانبي المتوسط، ونحترم مشروعية المعركة التي قادها الجزائريون.
وإلى جانب هذا الإقرار، هناك أيضاً ملفات متصلة بماضينا المشترك ننكبّ على معالجتها، حتى بمبادرة من الجهة الفرنسية نفسها، وسنظل نصغي لما تقوله لنا الجزائر في هذه المسائل.
ولكن دعونا ننظر أيضاً نحو المستقبل. لأنه، حسب اعتقادي، هذه رغبة الشباب في كل من بلدينا، شباب يتوق إلى مزيد من الانفتاح والتبادل بعيداً عن الضغينة. لنحاول خدمة مشاريع المستقبل، والنظر سوياً إلى ما يستحسن فعله من أجل تحسين تعاوننا، ومن أجل أن تضحى علاقاتنا كدول مجاورة علاقات بنّاءة بأكبر قدر ممكن، فننأى عن زرع الحقد، وذلك دون أن ننسى الماضي.
هذه، في نظري، أفضل وسيلة لطي صفحة الماضي. فلنسع عملياً إلى تجسيد الصداقة العميقة القائمة بين شعبينا.
لماذا اتخذتم ذلك القرار الذي يقضي بنقل التاريخ الرسمي لليوم الوطني لتكريم من ماتوا في سبيل فرنسا، في شمال إفريقيا، ليصبح موعده في 19 مارس؟
إن اليوم الرسمي لإحياء ذكرى الذين ماتوا في سبيل فرنسا إبان حرب الجزائر محدد في 5 ديسمبر ولا يزال. إنه تاريخ افتتاح النصب التذكاري المقام تكريماً ''لمن ماتوا في سبيل فرنسا في الجزائر''.
إن هذا التاريخ هو بالتالي يوم التكريم الرسمي لهم من قبل الأمة، والذي يحتفل به سنوياً في كل إقليم من أقاليم فرنسا، كما في مقاطعات ما وراء البحار.
ومن ناحية أخرى، تتمتع جمعيات المحاربين القدامى بحرية المبادرة في تنظيم احتفالات عامة يتوافق موعدها مع الذكرى السنوية لأحداث معينة، تعتبرها جديرة بأن يحتفى بها.
ومن بين هذه المواعيد هناك الذكرى السنوية لوقف إطلاق النار في الجزائر، يوم 19 مارس، وقد طلبت من الوالي، في كل إقليم، أن يشارك في إحياء هذه الاحتفالات الخاصة بالجمعيات وفقاً لما تقتضيه الظروف المحلية، وحسب تقديره.