هو الذي جعل لكم الأرض ذلولا فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه وإليه النشور ) </SPAN>الآية 15 من سورة الملك</SPAN>
يقول تعالى: مخبراً عمن يخاف مقام ربه، فينكف عن المعاصي ويقوم بالطاعات، حيث لا يراه أحد إلا اللّه تعالى، بأنه له {مغفرة وأجر كبير} أي تكفّر عنه ذنوبه، ويجازى بالثواب الجزيل، كما ثبت في الصحيحين: "سبعة يظلهم اللّه تعالى في ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله" فذكر منهم رجلاً دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال: إني أخاف اللّه، ورجلاً تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه، ثم قال تعالى منبهاً على أنه مطلع على الضمائر والسرائر {وأسروا قولكم أو أجهروا به إنه عليم بذات الصدور} أي بما يخطر في القلوب {ألا يعلم من خلق} أي ألا يعلم الخالق؟ وقيل معناه: ألا يعلم اللّه مخلوقه؟ والأول أولى لقوله: {وهو اللطيف الخبير} ثم ذكر نعمته على خلقه في تسخيره لهم الأرض، وتذليله إياها لهم، بأن جعلها قارة ساكنة لا تميد ولا تضطرب، بما جعل فيها من الجبال، وأنبع فيها من العيون، وسلك فيها من السبل، وهيأ فيها من المنافع ومواضع الزروع والثمار، فقال تعالى: {هو الذي جعل لكم الأرض ذلولاً فامشوا في مناكبها} أي فسافروا حيث شئتم من أقطارها، وترددوا في أقاليمها وأرجائها في أنواع المكاسب والتجارات، واعلموا أن سعيكم لا يجدي عليكم شيئاً إلا أن ييسره اللّه لكم، ولهذا قال تعالى: {وكلوا من رزقه} فالسعي في السبب لا ينافي التوكل، كما قال رسول اللّه: "لو أنكم تتوكلون على اللّه حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير، تغدو خماصاً وتروح بطاناً" (رواه أحمد والترمذي والنسائي وابن ماجة عن عمر بن الخطاب مرفوعاً) فأثبت لها رواحاً وغدواً لطلب الرزق مع توكلها على اللّه عزَّ وجلَّ، وهو المسخر المسير المسبب {وإليه النشور} أي المرجع يوم القيامة، قال ابن عباس ومجاهد: مناكبها: أطرافها وفجاجها ونواحيها.
تفسير ابن كثير</SPAN>
لا تبخلوا بدعائكم و تشجيعاتكم </SPAN>